الرئيسية تقارير ومقالات الأغلبية وأخواتها الصغار

الأغلبية وأخواتها الصغار

5 ثانية
0
0
1,425

الأغلبية وأخواتها الصغار

ياسر الغرباوي

إدارة المجتمعات العربية والإسلامية التي تتعدد فيها دوائر الهويات والانتماءات والتي تتقاطع  أحياناً وتتراكم حيناً أخر، أمر يحتاج إلي رؤية مستنيرة وعقل جمعي راشد يعتبر تنوع المجتمع  بكل أطيافه نقطة قوة وليست محور ضعف وانكسار، وهذا يتطلب جهداً  يشمل  ثلاث محطات كبري هي :

1- السيطرة علي عالم الأفكار الضارة في إدارة التنوع.

2- دعم الإتزان في عالم المشاعر، والعواطف، و الصور النمطية بين مكونات المجتمع.

3- إبداع مشاريع وطنية ومجتمعية تحشد طاقة المكونات الاجتماعية نحو هدف عام جامع .

ولكن علي عاتق من يقع هذا الجهد الكبير   ؟؟

يقع هذا الجهد علي عاتق الجميع حكومة وشعباً، فالكل مطالب بتطبيق سياسيات تدعم المساواة والعدالة والحرية للجميع بغض النظر عن اختلاف الدين والعرق واللغة. ولكن الجهد الأكبر يقع علي عاتق الأغلبية المكونة للمجتمع بحكم أنها -الأخ الأكبر لسائر الأقليات الأخرى في المجتمع- وتقع عليها مهمة إبداع وتطبيق سياسيات اقتصادية و سياسية واجتماعية توفر للمكونات الاجتماعية الأقل عددا ً في المجتمع (الأقليات) الشعور بالأمن والاستقرار والتقدير لتصبح علي قدم المساواة في الحقوق والواجبات.. مثلها مثل الأفراد المنتمين للأغلبية .

الحالة العربية والإسلامية

يبلغ تعداد المسلمين في العالم قرابة 1.57  مليار مسلم و تبلغ نسبة  الشيعة في هذا العدد قرابة  10% ، ويشكل السنة  قرابة 90% من إجمالي العدد ، من هذا المنطق تقع علي الأغلبية السنية في العالم الإسلامي مسئولية حماية ورعاية الأخوة الشيعة والتعامل معاهم بقيم القسط والعدل وعلي أنهم شركاء في الدين والوطن، وهذا أيضا يتطلب من الشيعة جهداً موازياً يدفع في اتجاه التعايش والوئام واحترام قيم ومقدسات الأغلبية، وبتلاقي جهود الأغلبية والأقلية يمكننا أن ننتج عالماً إسلاميا جديداً تسوده قيم المواطنة، والمساواة، والحرية عندما يتحمل الجميع مسئولية النجاح في إدارة التنوع والاختلاف المذهبي وجعله نقطة ثراء فكري وحضاري وليس برميل بارود قابل للاشتعال في أي وقت.

ووسط الحالة العربية والإسلامية تعيش مجموعات متنوعة من الأقليات التاريخية  العرقية والدينية والقومية التي ساهمت بالجهود العديدة في تقدم ورقي الحضارة الإسلامية والدفاع عنها وقت الأزمات والمحن ولكن الآن تعاني بعض هذه الأقليات من التهميش والإقصاء الذي  بعضه معتمد وكثير منه غير مقصود؛ ولكن هذا لا يخلي مسئولية الأخ الأكبر (الأغلبية ) من ضرورة تدراك الأخطاء، ومعالجة الخلل قبل انفجار الأزمات الطائفية والأهلية في الساحات العربية، وذلك عندما يستغل الطرف الخارجي  هذا الخلل و الظلم الواقع علي الأقليات من طرف الأغلبية ويبدأ في نشر سمومه وآفاته القاتلة التي سوف تنخر في جسد الوحدة الوطنية والمجتمعة للأمة العربية والإسلامية .

التجربة الأمريكية

المجتمعات المتقدمة تبذل جهودا دائمة ومستمرة تهدف إلي استيعاب الأقليات الاجتماعية وتوفر لها الأمن والاستقرار وليس هذا فحسب!! بل والاحتفاء بها وتقدير تاريخها واحترام أعيادها ومناسبتها التي تعتز وتفخر بها، ويأتي المجتمع الأمريكي في طالعة هذه الشعوب التي أحسنت إدارة ملف التنوع والأقليات إلي حد كبير، ومن أهم الشواهد علي ذلك أن المجتمع الأمريكي ذو الأغلبية البيضاء والتاريخ الأوربي الطويل يحتفل سنويا في شهر شباط/فبراير من كل عام بما ُيعرف بالتاريخ السود في  الولايات المتحدة الأمريكية ويستمر الاحتفال لمدة شهر كامل يجري فيه تكريم مشاهير الأقلية السوداء، وتعقد فيه الندوات في الجامعات والبرامج في المحطات التليفزيونية،والعروض الفنية في المسارح و المتاحف احتفالا بهذه المناسبة، ومما لاشك فيه أن هذه الاحتفالات تنعكس إيجاباً علي الأقلية السوداء في الولايات المتحدة من زاوية تدعيم وشائج الانتماء للوطن الأمريكي. وفي هذا الإطار يأتي الاحتفال الأمريكي  بعيد مارتن لوثر كينغ  ذلك الشخص الذي يرتبط اسمه بالانتصارات التي حققتها حركة الحقوق المدنية للأميركيين من أصل إفريقي في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي. والغريب في الأمر أنه لا يوجد ولا احتفال واحد في أمريكا بتاريخ الرجل الأبيض علي الرغم من أن الأغلبية المجتمعية له ، وهذا يؤكد فلسفة مسئولية الأخ الأكبر (الأغلبية ) نحو أخواته الصغار ( الأقليات ) .

يتضح مما سبق أن مسئوليات نجاح سياسيات التعايش والمواطنة وتطبيق قيم المساواة والعدالة والحرية في المجتمعات المتنوعة تقع علي عاتق جميع المكونات الوطنية وبشكل أخص علي عاتق الأخ الكبير (الأغلبية ) .

 

 

 

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

بامكانك الاطلاع على

من نار الثورة السورية إلى أنوار الجماعة الوطنية

  ياسر الغرباوي * سوريا بلد  بالغ الثراء والتنوع  على مستوي الجماعة الوطنية ؛ففيها أع…