تقارير ومقالات العقل المسلم والتعلم بالعصا بواسطة ياسر الغرباوي تم النشر منذ 5 يوليو, 2014 0 ثانية 1 0 4,244 ياسر الغرباوي* الأمم الحية والواعية لم تخلق هكذا وإنما وقعت فى أخطاء قاتلة ومعارك طاحنة ومذابح مفجعة،و أيضا تلقت هزائم منكرة لكنها تمتلك ميزة هامة آلا وهى عدم تكرار أخطاء الماضي وأن لاتقع فى الفخ مرتين فهى تتعلم من الأخطاء عبر وسيلتين هما : الأولي : التعلم بالورقة والقلم من خلال الإستفادة من دروس التاريخ وتجارب الأمم وعدم الدخول فى الأنفاق المظلمة التى سارت فيها الشعوب من قبلها وذلك عبر القراءة والنقد الدامى للذات والإعتراف بالخطأ بدون استعلاء وادعاء للأفضلية والخصوصية وذلك من خلال جهود الفلاسفة والعلماء ومراكز البحث والدراسات. الثانية : التعلم بالعصا: فالأمم العاقلة تعتبرالنكبات والهزائم التى تتعرض له منحة ورسالة صادقة فحواها هى أن لا تدخلوا فى معارك خاسرة مرة أخري مهما كانت الإغراءات والمكاسب السريعة والضغوط المتوالية . فالقارة الأوربية تمزقت أحشاءها وتقطعت أوصالها وخسرت قرابة خمسين مليونياً من أبنائها فى الحرب العالمية الثانية ودفعت ضريبة عالية نتيجة لإنتشار النزعات القومية المتطرفة بها،لكنها تعلمت الدرس وقررت أن لا تكرر أخطاء الماضي وأسست لعلاقات أوربية- أوربية قائمة على التواصل لا القطيعة وعلى التعاون لا الصراع . اليابان هزمت فى الحرب العالمية الثانية هزيمة منكرة فخسرت مستعمراتها فى الصين وجنوب شرق أسيا واحتلت أجزاء من أرضها،لكنها استفادت من هذه الخبرة وقررت تغير البوصلة وإعادة بناء الأمة اليابانية بفلسفة جديدة وفكر حديث يتجاوز أخطاء الماضي وينحاز للمستقبل فأصبحت قوة إقتصادية عالمية مذهلة فى فترة زمنية وجيزة الأمة الأمريكية وقعت فى حروب أهلية طاحنة ومعارك داخلية قاتلة وسقطت فى تميز عرقى ضد الزنوج بغيض، وحاربت الهنود الحمر بقسوة، ودفع المجتمع الأمريكي ثمنا كبيراً لكل هذه الحماقات على المستوي الإقتصادي والسياسي والإجتماعى ولذلك قررت الأمة الأمريكية الوليدة عدم إنتاج آلام الماضي وعذاباته فوضعت من النصوص الدستورية والنظم السياسية والإجتماعية ما يضمن بدرجة كبيرة عدم تمهيش الأقليات أو إقصاء لأى مكون ثقافي فأصبحت بدرجة كبيرة رمزا لحسن إدارة التنوع والإختلاف الإجتماعي والثقافي على مستوي العالم . شعب جنوب أفريقيا عانى من سياسة التميز العنصري التى امتدت عقود من الزمن وناضل بكل الوسائل المتاحة لنيل حريته من هيمنة العنصر الأوربي الغاشم. وعندما تحقق النصر لجهاد الأغلبية السوداء وتولت مقاليد السلطة والحكم لم تنتقم من الأقلية البيضاء الظالمة ولم تطلق العنان لنيران الإنتقام والتشفى لتعمل فى الفضاء الجنوب الأفريقي، وإنما قررت أن لا تكرر أخطاء الأقلية البيضاء فى الإقصاء والتهميش وإنما شرعت فى تطبيق العدالة الإنتقالية وسيادة حكم القانون ومعالجة جروج الماضي والإبحار نحو فضاء التنمية والإستقرار والإزدهار. الأمة العربية والإسلامية وبعد استعراض تجارب الأمم فى التعلم من الأحداث عبر الورقة والقلم والعصا تأتى الأمة الإسلامية كحالة فريدة دون خلق الله أجمعين فهى لاتحسن التعلم بالعصا ولم تبذل جهدا معقولاً للتعلم بالورقة والقلم !!!!، فقد وقعت الأمة الإسلامية فريسة لحروب طائفية طاحنة ومعارك أهلية عنيفة على مدار قرون من الزمن ضربت بشدة استقرار وتقدم المجتمعات العربية والإسلامية فى المشرق والمغرب سواء فى التاريخ القديم والحديث والمعاصر.والأن نجد أن هذه المعارك التاريخية والطائفية مازالت مستعرة بقوة فى العالم الإسلامي وتحتل مقدمة نشرات الأخبار والتقاريرالعالمية،فوقائع المعارك الحالية فى شوارع بغداد والموصل والأنبار تؤكد هذه النظرية، حتى يُخيل للمتابع أن ما يقع فى العراق وسوريا ولبنان وأفغاستان الأن هو الشوط الثانى من معركة كربلاء، أو الهجوم المضاد لقوات سيدنا على بن أبى طالب على جيش معاوية ، أو صرخة الحسين فى وجه يزيد !! فنحن لانفهم ولانعى بطريقة العصا !!فمازلنا نكرر نفس المعارك ونقع فى نفس الحفر التاريخية ونسقط فى ذات الفخاخ التى وقعنا فيها سابقا بدون وعى ولا رشد ولا بصيرة؛ فمازالت معارك السنة والشيعة ،والأكراد والعرب ،والمسلمين والمسيحيين مشتعلة منذ قرابة ألف عام فى الفضاء الإسلامي ويبدو أن وقودها لن ينضب قربيا ،فمن يراهن على أن الأمة الإسلامية ستتعلم بالتجربة والخطأ فقط يبدو لى أنه واهم أمام حقائق التاريخ ووقائع الجغرافية . لذلك أعتقد أن السبيل الأهم والأجدي لتقدم وتعلم هذه الأمة سيمر عبر البذل فى وسيلة التعلم بالوعى والنقد ومراجعة التراث والمخرون الفقهي والوجدانى المكون للعقل الثقافي الإسلامي فبدونه لايمكن عمل تقيم ومراجعات للمسيرة والمسار التاريخي للحضارة الإسلامية وللأسف الجهد المبذول في هذا الطريق الأنفع والأصوب قليل والإستثمار فيه نادر!!! *مؤسس مركز التنوع للدراسات طباعة