الرئيسية المحاضرات والندوات من نار الثورة السورية إلى أنوار الجماعة الوطنية

من نار الثورة السورية إلى أنوار الجماعة الوطنية

0 ثانية
0
2
187

 

ياسر الغرباوي *

سوريا بلد  بالغ الثراء والتنوع  على مستوي الجماعة الوطنية ؛ففيها أعراق وديانات ومذاهب وثقافات متنوعة ، تتفاوت في حجمها وأماكن تركزها الجغرافي، ومراحلها نشأتها التاريخية، مرت على بعضها ظروفاً صعبة، ووقعت للعديد منها خبرات مؤلمة ، ولكنها الأن  وبعد نجاح الثورة السورية في إسقاط نظام الطاغية بشار الأسد ؛ أمامها فرصة تاريخية يمكنها من خلالها أن تقدم للإنسانية لوحة جميلة تجمع بين الحرية والتنمية والعدالة ،وقد استخدمت مصطلح الجماعة الوطنية ؛ لأنه يؤسس لمستقبل إنساني وثقافي واجتماعي لسوريا الحاضر والغد، قائم على الشراكة والتعاون والمواطنة،  ولم استخدم مصطلح الأقلية والأغلبية، لأنه مصطلح يفتح باب الصراعات الهادفة إلي تسلط على  طرف على أخر، وهذا ما لا يريده الشعب السوري الصامد ؛ ورغبة منى في تمتع هذا الشعب الجميل بتجربة إنسانية مُلهمة ؛أهمس في أذن النخبة السورية من كافة الأطياف والأعراق والمذاهب  بعده خواطر رقيقة تهدف إلي نجاح الثورة السورية في بناء متين للجماعة الوطنية،  وهذا يتطلب تعاوناً ومشاركةً من كافة أعضاء الجماعة الوطنية،بغض النظر عن قصة الحجم والعدد، فكل عضو في الجماعة الوطنية من المهم أن يُشارك في خطة التحرك نحو  إعادة بناء الدولة،و تأسيس دستور جديد ، وأن يكون رأيه حاضراً في كيفية معالجة أوجاع الماضي؛ بما يضمن عدم تعثر الحاضر وعرقلة المستقبل ( ملف العدالة الانتقالية )، ووصولاً إلي تحقيق دولة المواطنة، لأنجاز هذه المهمة السابقة لابد من المرور بثلاث محطات ذهبية .

المحطة الأولي: الخطاب الجامع

العمل على نشر وترسيخ خطاب جامع لكل السوريين يركز على تحقيق مكاسب صلبة للجميع، بعيداً عن فكرة سعي بعض الأطراف للحصول على مكاسب هشة مؤقتة تمنح لها من طرف السلطة، و التي غالبا ما تذهب بذهاب الحكومة أو الحزب المانح لها؛ وهذا الخطاب ينبغي يكون متعاطفاً مع كل سوري مظلوم بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لغته ، وشراساً ضد كل ظالم أو مستبد من أي مكون أو فئة في سوريا، خطاب يجمع ولا يفرق، ويبحث عن القواسم المشتركة، ويدعمها ويبني عليها من أجل تأمين المستقبل السوري من الفتن  العاصفة، وقد قدم الثوار ممثلين في أحمد الشرع إلي الأن خطاباً منفتحاً يصلح للبناء عليه والانطلاق منه نحو الواقع، ويمكننا هنا الاستفادة من فلسفة ولغة خطاب المناضل نلسون مانديلا عندما قال في حفل تنصيبه رئيساً للجمهورية  (لقد ناضلنا خلال عقود من الزمان من أجل مجتمع غير مميز عنصريًّا، غير مميز جنسيًّا، وحتى قبل وصولنا للسلطة في الانتخابات التاريخية عام 1994م، كانت رؤيتنا للديمقراطية محكومة بمبادئ من بينها مبدأ يقول: إنه لا يجوز أن يتعرض أي شخص أو تتعرض أي مجموعة من الأشخاص للاضطهاد أو الإخضاع أو التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الأصل الإثني أو اللون أو العقيدة، وما إن وصلنا إلى السلطة حتى قرَّرنا اعتبار تنوع الألوان واللغات مصدرًا للقوة)

المحطة الثانية: النماذج الجاذبة

على كل مكون سوري  أن يُبدد مخاوف وهواجس الأخرين  نحوه، عبر تقديم نماذج جذابة علي مستوي الأفراد الذين يؤمنون بقيم  المواطنة والمساواة والعدالة، وخصوصاً في أوقات الشدائد التي تمر علي الوطن ،ونتذكر هنا جميعاً على سبيل المثال  موقف  المناضل /مشيل كيلو المُنتمي للمكون المسيحي و العضو سابق في الحزب الشيوعي السوري،  ورئيس اتحاد الديمقراطيين السوريين. ،  والذى واعتقل في بداية الثمانينيات من نظام حافظ الأسد لأنه رفض تنكيل النظام   بأعضاء جماعة “الإخوان المسلمين”  وفي العام 2011 أعلن كيلو   تأييده المطلق للثورة السورية، ثم أطلق كيلو هيئة “سوريون مسيحيون من أجل العدالة والحرية”، بهدف “ردم الهوّة بين المسيحيين وبقية الشعب. وفى ” عام 2013 انضم كيلو إلى “الائتلاف الوطني السوري”، وكان كيلو منحازاً للحرية ومن عباراته المهمة “”لن يحرّركم أي هدف غير الحرّية فتمسّكوا بها، في كلّ كبيرة وصغيرة، ولا تتخلّوا عنها أبداً، لأن فيها وحدها مصرع الاستبداد”. وقد نشر  رسالة مطولة، ودّع السوريين قبل وفاته في باريس عن عمر يناهز 81 عاماً. ودعا كيلو السوريين، في رسالته التي عُدّت بمثابة “وصية سياسية”، إلى “نبذ العقليات الضدّية والثأرية”، والاتحاد على كلمة سواء ورؤية وطنية جامعة “كي تصبحوا شعباً واحداً”.

المحطة الثالثة: الشراكة في الآلام

في فترات الاستبداد والقهر يسعي الطاغية إلي آلية التفريق بين مكونات المجتمع عبر خطب ود الأقليات وإعطائها بعض المكتسبات الهشة ليجعلها منطقة حاجزة بينه وبين غضب الأغلبية، فينبغي للنخب  من كافة أعضاء الجماعة الوطنية،  أن تفهم هذه المعادلة وأن تنحاز للوطن وليس للطائفة أو الحكام  وأن يتحمل الجميع أوجاع الوطن ويُناضل معاً  لتسود قيم العدالة والمساواة .وقد شاهد الجميع طرق نظام عائلة الأسد  البائد في رزع بذور الشقاق والفرقة بين مكونات الجماعة الوطنية السورية ، واللعب علي وتر الطائفية ليضمن لنفسه بقاًء أطول علي كرسي الحكم. ويمكن للمكونات السورية الاستفادة من تجربة المكون المسلم في دولة جنوب إفريقيا والتي تشكل قرابة 2% من إجمالي عدد السكان، كتجربة رائدة في هذه المحطة حيث وقفت هذه المجموعة المسلمة مع السود في نضالهم ضد نظام الفصل العنصري؛ وردت الأغلبية الجميل لها عبر منحها الحريات الكاملة والحقوق الدستورية التي تجعلهم علي قدم المساواة مع الجميع في ظل الجمهورية الجديدة بعد انتهاء سياسية الفصل العنصري. .

من خلال هذه المحطات الثلاث التي أردت التحدث بها للسادة الكرام النخب السورية المؤمنة بالحق في الحرية والعدالة، مع الحفاظ علي وحدة وتماسك الجماعة الوطنية وفي إطار الوطن الجامع والوطنية الخالصة

*عضو سابق بلجنة العدالة الوطنية برئاسة الوزراء المصرية، مؤسس مركز التنوع لفض النزاعات

عرض مقالات ذات صلة
  • متي يحرر الثوار الجولان

    ياسر الغرباوي بالأمس جمعتني مناسبة اجتماعية مع العديد من الأصدقاء القدامى من جنسيات عربية …
  • عدت طفلًا في مونار

      ياسر الغرباوي قررت السفر إلي الهند بلد العجائب لقضاء إجازة قصيرة؛ باحثًا عن الطمأني…
  • مصري في قبضة محاربي الصحراء

    ياسر الغرباوي سافرت إلي عديد من البلدان شرقًا وغربًا، لكني لم أشعر بهذه المشاعر الجميلة وا…
Load More By ياسر الغرباوي
  • متي يحرر الثوار الجولان

    ياسر الغرباوي بالأمس جمعتني مناسبة اجتماعية مع العديد من الأصدقاء القدامى من جنسيات عربية …
  • عدت طفلًا في مونار

      ياسر الغرباوي قررت السفر إلي الهند بلد العجائب لقضاء إجازة قصيرة؛ باحثًا عن الطمأني…
  • مصري في قبضة محاربي الصحراء

    ياسر الغرباوي سافرت إلي عديد من البلدان شرقًا وغربًا، لكني لم أشعر بهذه المشاعر الجميلة وا…
Load More In المحاضرات والندوات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

بامكانك الاطلاع على

متي يحرر الثوار الجولان

ياسر الغرباوي بالأمس جمعتني مناسبة اجتماعية مع العديد من الأصدقاء القدامى من جنسيات عربية …